انطلقت في الجزائر خلال الأيام الأخيرة موجة غضب شعبي واسعة، تجسدت في انتشار وسم “مانيش راضي” على منصات التواصل الاجتماعي، معبرة عن استياء المواطنين من تدهور الأوضاع الاقتصادية والحريات العامة في البلاد، وجاء رد الرئيس عبد المجيد تبون سريعاً وحاداً، حيث عقد اجتماعاً عاجلاً صباح الثلاثاء مع أعضاء حكومته والمحافظين الـ58 وكوادر التسيير التنفيذي من كافة الولايات في العاصمة الجزائرية.
وخلال الاجتماع الذي خُصص ظاهرياً لمناقشة خطط التنمية لعام 2025، كرس تبون جزءاً كبيراً من خطابه للرد على الحملة الشعبية، متهماً جهات خارجية وما أسماه “بقايا العصابة” بالوقوف وراء هذا التحرك. وأكد الرئيس الجزائري أن الوسم “ليس تعبيراً محلياً عفوياً، بل خطة مدبرة تهدف إلى بث اليأس بين الجزائريين”، مشدداً على أن بلاده “التي يسري في عروق شعبها دماء الشهداء” لا يمكن زعزعة استقرارها بمجرد هاشتاغ.
وشهدت البلاد بالتزامن مع هذه التطورات حملة اعتقالات طالت عدداً من النشطاء الذين تبنوا الحملة، من بينهم عبد الوكيل بلام الذي أُطلق سراحه بعد ساعات من التحقيق. كما استُدعي المعارض البارز كريم طابو للمثول أمام قاضي التحقيق لمتابعة القيود المفروضة عليه، بما فيها منعه من النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في خطوة وصفتها هيئة دفاعه بـ”التعسفية وغير القانونية”.
وفي محاولة لمواجهة الحملة الشعبية، أطلقت جهات مقربة من السلطة وسماً مضاداً تحت عنوان “أنا_مع_بلادي”، في خطوة اعتبرها مراقبون تعكس عمق الانقسام في الشارع الجزائري بين المطالبين بالتغيير والمدافعين عن النظام القائم، وبينما دعت قوى السلطة إلى تشكيل “حزام وطني” لمواجهة ما وصفته بالتهديدات الخارجية، أكدت المعارضة أن تعزيز الاستقرار يتطلب إنهاء النهج الأمني الأحادي وإطلاق إصلاحات شاملة تعيد الثقة للمواطن.
وعبر محسن بلعباس، الرئيس السابق لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، عن مخاوفه من تداعيات القمع المتصاعد، مؤكداً أن “ما يجري اليوم يعكس رغبة النظام في سجن الأفكار وإسكات كل صوت معارض”، محذراً من أن هذا النهج “لا يضرب الأفراد فقط، بل يهدد المجتمع بأسره”.
ومع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، يتوقع مراقبون مزيداً من التوترات الاجتماعية والسياسية في الجزائر، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لمعالجة الأزمات الراهنة وإصرار السلطات على المقاربة الأمنية في التعامل مع المطالب الشعبية. ويؤكد هؤلاء أن استمرار السلطات في استخدام القضاء كأداة لتكميم الأفواه لن يؤدي إلا إلى تعميق حالة الاحتقان الشعبي، داعين إلى تبني حوار وطني شامل كسبيل وحيد لتجاوز الأزمة الراهنة.