مرة أخرى يعود ملف استيراد اللحوم بالمغرب إلى الواجهة، كاشفاً عن اختلالات عميقة وهيمنة غير مسبوقة للوبيات تجارية استفادت من الدعم العمومي لتفرض سيطرتها على أسعار المواد الأساسية التي يستهلكها المواطن يومياً، في ظل صمت حكومي يثير أكثر من سؤال.
فخلال جلسة برلمانية حديثة، أثار فريق العدالة والتنمية معطيات صادمة بخصوص أسعار الكبد المستورد، الذي يدخل إلى المغرب بأقل من 3 دراهم للكيلوغرام، بينما يُباع لدى الجزارين بما يصل إلى 170 درهماً. فارق مهول يعكس—حسب ما جاء في مداخلة الفريق—غياب مراقبة حقيقية وترك السوق فريسة للمضاربات.
كما حذّر رئيس المجموعة النيابية من كون أسعار اللحوم الحمراء ما تزال مستقرة عند حدود 120 درهماً للكيلوغرام رغم كل إجراءات الدعم الكبيرة الموجهة للمستوردين، مشيراً إلى أن هذا الدعم لم ينعكس على القدرة الشرائية للمواطنين، بل تحوّل—وفق تقديره—إلى مصدر أرباح ضخمة لفئة محدودة استفادت من الامتيازات الممنوحة.
الأكثر إثارة للجدل هو ما اعتبره المتحدث استفادة متكررة لجهات محسوبة على الحزب الذي يقود الحكومة من صفقات مرتبطة بعمليات الاستيراد، مما يجعل الدعم العمومي أشبه بآلية لتجميع الأرباح، بينما تتفاقم معاناة الأسر المغربية مع ارتفاع أسعار اللحوم وانخفاض القدرة على اقتنائها.
هذه الوضعية، التي يصفها مراقبون بكونها اختلالاً بنيوياً في تدبير قطاع استراتيجي، تطرح تساؤلات ملحة: كيف يمكن السماح ببيع منتوج يدخل بأثمان رمزية بأسعار مرتفعة إلى هذا الحد؟ ولماذا لم تنجح تدخلات الحكومة، رغم كلفتها، في تخفيف العبء عن المستهلك؟ ومن المستفيد الحقيقي من منظومة الاستيراد الحالية؟
وتتزايد اليوم مطالب فئات واسعة من المواطنين والفاعلين بضرورة إعادة تنظيم القطاع، وتفكيك شبكات الاحتكار، وضمان شفافية تدبير الدعم العمومي حتى لا يتحول إلى مصدر إثراء سريع للبعض على حساب جيوب ملايين المغاربة.