في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل، أصبح ارتباط جبهة البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية أمرًا يثير القلق ويشكل تهديدًا جديًا للأمن الإقليمي والدولي، وقائع عديدة وأحداث متتالية تكشف عن تعقيدات خطيرة في علاقة الجبهة الانفصالية بالجماعات المتطرفة، مما يتطلب موقفًا حاسمًا من المجتمع الدولي للحد من هذه المخاطر المتصاعدة.
أحد الأمثلة الواضحة على هذا الارتباط ما كشفته السلطات الإسبانية مؤخرًا، حيث أحالت النيابة العامة ناشطة من جبهة البوليساريو إلى المحاكمة بتهمة التحريض على الإرهاب، المتهمة المعروفة بالاسم الأولي “كورية” اعتُقلت في جزيرة ميوركا بعد أن دعت علنًا لتنفيذ عمليات انتحارية داخل المغرب، ووجهت لها السلطات الإسبانية اتهامات خطيرة وطالبت بسجنها لمدة ثلاث سنوات ونصف مع إبعادها من الأراضي الإسبانية بعد قضاء العقوبة.
تتزامن هذه الواقعة مع معطيات استخباراتية تشير إلى وجود شبكة معقدة تربط البوليساريو بالتنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، تشير التقارير إلى أن بعض العناصر القيادية التي نشأت في مخيمات تندوف التحقت لاحقًا بالجماعات الإرهابية في منطقة الساحل، كما يتم استخدام منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة فعالة للتحريض والتجنيد ونشر الفكر المتطرف.
من بين أبرز الأمثلة على هذا الترابط، يأتي اسم “أبو الوليد الصحراوي”، الذي وُلد ونشأ في مخيمات تندوف قبل أن يصبح قائدًا بارزًا في تنظيم داعش بمنطقة الساحل، تولى مناصب قيادية مهمة في التنظيم حتى قُتل عام 2021، مما يثبت أن مخيمات البوليساريو أصبحت بيئة خصبة لتفريخ القيادات المتطرفة.
هذه الحقائق تسلط الضوء على المخاطر التي يشكلها هذا التداخل بين الحركات الانفصالية والجماعات الإرهابية على استقرار المنطقة، فشمال إفريقيا والساحل يعانيان بالفعل من هشاشة أمنية وصراعات متعددة، ما يجعل أي تهديد إضافي عاملاً يزيد من تعقيد المشهد ويهدد السلم الإقليمي.
مواجهة هذا الخطر تتطلب استراتيجية شاملة، تبدأ بالمراقبة الدقيقة لأنشطة الجبهة الانفصالية، وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين الدول، وفرض عقوبات صارمة على كل من يثبت تورطه في دعم أو التحريض على الإرهاب، كما يجب العمل على مواجهة الفكر المتطرف من خلال نشر وتعزيز الخطاب المعتدل الذي يرفض العنف ويدعو للتعايش.
إن التصدي لهذه التهديدات يستوجب يقظة دائمة وإجراءات استباقية لمنع أي محاولات لزعزعة الاستقرار في المنطقة، فالأمن الإقليمي لا يتحمل التساهل مع مثل هذه المخاطر التي قد تمتد تداعياتها إلى أبعد من حدود شمال إفريقيا والساحل، لتطال الأمن الدولي بأكمله.