بدأت ملامح تحول جذري تلوح في الأفق بين الجزائر وصنيعتها جبهة البوليساريو إثر المواجهات المسلحة غير المسبوقة التي اندلعت بين وحدات من الجيش الجزائري وعناصر من الجبهة في محيط مخيمات تندوف “جنوب غرب الجزائر”، هذه الأحداث الخطيرة كشفت عن تصدعات عميقة في التحالف التقليدي بين الطرفين، وأظهرت هشاشة العلاقة التي طالما اتسمت بالتعاون والدعم والتنسيق على مدى عقود.
وفقاً للتقارير الواردة من المنطقة، اندلعت الاشتباكات على خلفية خلافات حول توزيع المساعدات والامتيازات داخل المخيمات، قبل أن تتصاعد إلى مواجهات مسلحة استدعت تدخلاً مباشراً من القوات الجزائرية، ويرى المراقبون أن هذا التطور الخطير يعكس تحولاً جوهرياً في ديناميكيات العلاقة بين الطرفين، حيث تحولت البوليساريو من حليف استراتيجي إلى مصدر قلق متزايد للنظام الجزائري.
وفي تحليل عميق للوضع، يؤكد زين العابدين الوالي، رئيس المنتدى الأفريقي للبحوث والدراسات في مجال حقوق الإنسان، أن هذه الأحداث تمثل نتيجة حتمية لسياسة “تغذية الفوضى” التي انتهجتها الجزائر، محذراً من أن من يزرع الفوضى سيحصد التمرد. وتتزامن هذه التطورات مع تزايد السخط الشعبي الجزائري تجاه استمرار دعم البوليساريو، خاصة في ظل الأعباء الاقتصادية المتزايدة التي تواجهها البلاد.
ويشير الإعلامي الجزائري المعارض وليد كبير إلى أن المواجهات الأخيرة كانت متوقعة منذ فترة طويلة، مؤكداً أن السلطات الجزائرية أدركت متأخرة خطورة الوضع وتحول البوليساريو إلى ما يشبه القنبلة الموقوتة داخل الأراضي الجزائرية. ويضيف أن الدولة الجزائرية تواجه الآن معضلة حقيقية في التعامل مع كيان لم يعد يخضع بشكل كامل لسيطرتها.
وتضع هذه التطورات النظام الجزائري أمام خيارات صعبة ، إما مواصلة دعم البوليساريو رغم المخاطر المتزايدة، أو البحث عن مخرج دبلوماسي يحفظ ماء الوجه دون المخاطرة بمواجهة شاملة قد تكون تداعياتها وخيمة، وفي ظل هذه الظروف، قد تجد الجزائر نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الشاملة تجاه قضية البوليساريو، سواء من خلال تعديل سياسات الدعم أو السعي نحو حل سياسي يجنبها المزيد من الاضطرابات.
وتشير المعطيات الميدانية والتحليلات السياسية إلى أن أحداث تندوف الأخيرة تمثل منعطفاً تاريخياً في مسار العلاقات الجزائرية-البوليسارية، مع تنامي مؤشرات تراجع النفوذ الجزائري داخل المخيمات، هذا التحول الاستراتيجي في العلاقة بين الطرفين سيفرض على النظام الجزائري إعادة حساباته وتبني مقاربة جديدة تتناسب مع المتغيرات الراهنة، وقد تؤدي في النهاية إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة بأكملها.