Take a fresh look at your lifestyle.

المعادلة المفقودة في مسألة الصحراء

المجاهد أباعالي

0

خمس عقود من التأريخ السياسي لخروج الإسبان من الصحراء، وهي مدة كافية لتقييم كل التجارب التدبيرية والسياسية لفضاء الصحراء الكبير، على ضوء الصراع السياسي الذي وقع، والذي لا يهمنا الخوض في تفاصيله الآن، فالأغلب الغالب يعرف هذه التفاصيل، والسيناريوهات التي واكبت هذه الفترة، ولكن الأرضية الإشكالية التي سيقوم عليها المقال، هي تقديم رؤية بانورامية لمآل الإنسان، وأثر كل هذه التحولات، رؤية نقدية مقارنة بين أكثر من واقع وأكثر من حال .

 

من هنا وجب القيام بنقد جذري وموضوعي لكل حدث، بغية تقييم الحاصل والاطلاع لمكاسب مستقبلية، والرؤية النقدية ستكون هنا مبينة على الإنسان أولا والإنسان أخيرا، حيث تحتفظ الذاكرة الصحراوية التي عايشت فترة الاستعمار الإسباني بنوع من الحنين، الذي كان مصدره تلامس الإنسان الصحراوي مع روح الحداثة الإنسانية الإسبانية التي جعلته مقدرا إلى حد ما، أي نعم يبقى الاستعمار استعمارا، ولكن ما عاشه الإنسان في الصحراء من ويلا ت الحروب اللاحقة، وسياسات الإدماج المرتجلة والمضطربة، جعلت ذلك الإنسان البسيط الذي لا يملك مظلة حماية أو قدرة على إيصال صوت تظلم، البعيد عن كل الأضواء، يجد لنفسه عزاء في الحنين لهذه الفترة وإن كان بشكل محتشم أو ممزوج بالذنب.

من هنا يمكن التساؤل حول مسار طويل من السياسات التدبيرية لقضية الإنسان، وهي سياسة لم تكن موفقة في غالب الأحيان، ولم تكن مبينة على رؤية أفقية شاملة لواقع الحال بالصحراء، وهذا ما صنع إلى حد ما نوعا من التأزيم في كثير اللحظات، وللأسف الشديد، لم تعترف الدولة بفشل عديد طرق التدبير، خصوصا وأن كل فشل في هكذا ملف، له آثار سياسية وخيمة ، وهذا يحيل على خلاصة هامة جدا، يصل لها المتتبع الرصين لهذه القضية، والتي لم يصل لها السياسي لحد الآن، وهي أن كل سياسة تهدف إلى تحقيق تنمية وازدهار في الصحراء، تستثني العنصر البشري بشكل أفقي شامل وعام، لن يكون مآلها سوى الفشل، وحينها لن يتحقق لا ازدهار ولا تنمية.

ويتمخض عن هذه الخلاصة الجزئية، نقطة تفاعل مهمة، وهي أنّ هذا التحدي لن يتحقق سوى بإدراج وإدماج الطاقات الحية للصحراء، وهي التجسيد الثقافي والفكري لهذا المكون البشري مع كل نقاش يطمح لإنتاج تصور تنموي حول الصحراء، بعيدا عن تخريجات الصالونات المغلقة، أو الانتقائية الضبابية في اختيار المخاطب أو الممثل، وهي التوجهات التي لم تنتج إلى حد الآن سوى واقعا دائريا، ينتج الأزمة أكثر من إنتاجه للحلول.

ولكن واقع الحال، والتحليل الجاد للمعطيات المجتمعية يقدم مؤشرات مخيفة عن تلك التدابير التي هي محل نقدنا الآن، منها نسب البطالة الكبيرة داخل صفوف شباب الصحراء وارتفاع عدد المعطلين الحاملين لشواهد عليا بشكل متزايد، وأيضا غياب منابر حقيقية للتعبير عن أصوات هذه الفئات، وأيضا إقبار آليات سابقة مثل المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، لأنه بالنسبة للدولة قد فشل، ولكن في حقيقة الأمر أن الخلل كان في آليات اشتغاله، وفي تصميمه العملي بشكل صحيح، وواحد من أوجه هذا الخلل أن طبيعة وجوده كانت طبيعة صورية، بلا صلاحيات ولا سلطة اقتراحية، فشرعية تقييم كل مبادرة أو كيان وجب أن تتحقق بعد إعطاء ذلك الكيان بعد استنفاذ كل ممكناته، فالفشل أو النجاح لا ينسب إلاّ بعد إعطاء كل شروط التحقق.

مثال الكوركاس، هو مثال حي للتخبط في عديد القضايا والمشاريع التنموية الخاصة بمجال الصحراء، فشل استقرائي ينطلق من عناصر متعددة، وللأسف المنطق الدائري هو سيد الموقف، وهنا وجب الوصول لخلاصة مهمة، وهي أن النجاح الذي تحقق على المستوى الدولي أو حتى تنمية البنية التحتية، تتضآل قيمته وتتقزّم حينما نقف عند البعد الثالث للطابع الهرمي للصحراء، وهو بعد الإنسان، فهو رأس هذا الهرم، ولكنه للأسف الشديد الأكثر إهمالا في هذه المعادلة.

كخلاصة أخيرة لهذا المقال، والذي كان مساءلة حول ما الذي تحقق لا على المستوى السياسي للقضية، ولكن على مدى تركيز هذه السياسات على المواطن الإنسان وما يحمله من تطلعات وقيم وخصوصيات ، فسياسة القضايا مختلفة تماما عن سياسة الرفاه الإجتماعي ، بل قد تلهي الأولى عن أهمية ومركزية الثانية، فهذه المعضلة ستحسم نهائيا وبشكل لا رجعة فيه، عندما يتم الظفر الكلي والمطلق بالأبعاد الثلاث وهي: دوليا، تنمويا، وإنسانيا؛ ولهذا البعد الأخير اليد العليا على باقي الأبعاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.