Take a fresh look at your lifestyle.

كتابة ضبط ذات هوية رقمية

0

يصادف الكون تغييرا جذريا نحو الرقمنة، بل أن كل أطياف المجتمع تراهن على كل ما هو رقمي، ولا يمكن المضي قدما دون أن تساير ركب الحضارة المتقدمة التي لا تعترف إلا بما هو آني، تلك الحداثة والآنية التي راهنت عليها التكنولوجيا وغزت من ثم كل المجالات، ومنها مجال القانون، والعدل الذي يطبق النصوص القانونية لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتلكأ في التشبث بالعصرنة.

وضمن دواليب القضاء وردهات المحاكم التي يتخوف منها البعض، صحيح ذلك لأنهم يعلمون حق اليقين أن هناك قوة جبروت لامتصاص الحق لأصحابه، وفي مقابل أولئك الذين يتخوفون من بطش العدالة، لأنه يعلمون علم البرهان أنهم مذنبون، خاطئون، انحرفوا عن جادة الطريق، وفي ذلك يقول المولى عز وجل في سورة المائدة الآية 8 ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، قلنا في مقابل ذلك هناك فئة تشيد بعمل القضاة وإنصافهم وعدلهم ويشعرون بالدفء وهم وسط قصور العدالة التي عمرت الأرض عدلا وازدهارا وكما قال أحمد محمد عبد المقصود في مقالة معنونة ب: مفاسد في القضاء المملوكي رصدها ابن خلدون: “فإن القضاء يد الله التي يضرب بها الظالم حتى يؤخذ منه الحق للمظلوم”.

وفي خضم هذا الرهان، يتجند بعض الأطر وسط مشاحنات الظالم والمظلوم وما يعضدانه من أدلة تقوض ادعاءات كل منهما، وذلك من أجل مساعدة القضاء في مهامهم الجليلة، إنهم موظفو هيئة كتابة الضبط، تلك الأطر التي أشبعت عدلا وتغنت بتقديم كل ما يلزم لتسير قاطرة العدالة كما ينبغي، وحسبي في ذلك ما قاله الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه: “مسؤولية القاضي ليست أجسم من مسؤولية كاتب الضبط”.

هؤلاء الأمناء يعملون على تكريس خدمات جديدة أو لنقل متجددة ذات هوية رقمية، تمني النفس على مقاومة التحديات وتنخرط في التحول الرقمي التي تعمل عليها وزارة العدل بعزم وعمل دؤوبين لطفرة حديثة جادة هادفة تزيد من أريحية المظلوم التي ستساعده الرقمنة في بلوغ مراميه في وقت وجيز، وتضيق الوصال على الظالم التي ستكسر شوكته وتقلل من عزائمه القدرة.

ومن الصدف غير الجميلة أن ينعت الموظف القائم بالأعمال القلمية بالكاتب، رغم أن هذا الوصف يتعارض مع الهالة الرقمية التي سيطرت على كل المجالات بل أن الحكومة الآن أصبحت تنعت بالرقمية لملامسة مدى مواكبتها بالتقدم العلمي المشهود، وهو الآن مفروض فيه احترام تلك الهوية الرقمية التي امتصت مسكه للقلم وعوضها يقوم بالرقمنة الآنية، وعلى سبيل المثال محضر الجلسة سيتم مباشرة من قبل أمين الضبط في مكان مغلق يسمع فيه كل ما يروج بالجلسة ويقوم بعملية الترقين.

رغم أن وصف الموظف بالكاتب هو مكرس في الشريعة الإسلامية الغراء، وآية المداينة من سورة البقرة توطد وتعزز دور الكاتب حيث يقول جل شآنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾. وكاتب بالعدل تتخذها بعض الدول العربية كمهنة توثيقية يقوم بإعداد وصياغة العقود قبل التصديق عليها، فعمله شبيه بعمل العدول بالمملكة المغربية، بل هو الموثق العدلي يقوم بذات المهام تحت مسمى الكاتب بالعدل.

ومن المفروض في أمين الضبط الآن معانقة هويته الرقمية، بل ملابستها والتمظهر بها في كل مهامه التي ستنضج ويصبح لها طعم تفوح منه رائحة العصرنة عوض الاقتصار على المهام التقليدية التي لن يقبلها المرتفق السيبراني إن صح قول ذلك، ما دام أصبح الحديث عن المستهلك السيبراني والمورد السيبراني والمعاملات السيبرانية، وقس على ذلك كافة الإجراءات التي يقدمها مرفق العدالة التي تعج بموظفي كتابة الضبط القائمين فيما قبل بأعمال قلمية، والآن أصبحت أعمال رقمية

فالحديث عن السجلات الورقية قد ولى إلى غير رجعة، رغم أن بقاءها شر لابد منه، مهما عظم الاستغناء عنها وعدم الاعتماد عليها مستقبلا، إلا أنها مفروضة طال الزمان أو قصر، وهذه ليست دعوة إلى عدم المضي قدما في الرقمنة، ولكن سلبيات هاته الأخيرة تحتم البقاء على ما هو ورقي قبل ما هو رقمي.

ووزارة العدل تعمل على هذا المطمح، والمسؤولين الإداريين وكافة أطر كتابة الضبط تسير في هذا النهج، ولا تنفك أن تفك الارتباط بالورق واستبعاده، وقد تكرس هذا المنحى من خلال تتويج وزارة العدل بجائزة “ريادة” لجهودها في مجال الرقمنة، وذلك في معرض جيتكس أفريقيا، المنظم من طرف وزارة التحول الرقمي والإصلاح الإداري في نسخته الثانية، خلال حفل توزيع الجوائز في نسخته الثانية المقام يوم 31 ماي 2024.

فهل بالغنا في وصف كتابة الضبط وأبطالها الشغوفين بالالتفاف حول الهوية الرقمية؟

وما هي مجالات التمثل لهذا الوصف المبالغ فيه؟

ومتى يمكن الحديث عن كتابة ضبط ذات هوية رقمية؟

يتبع….

بقلم د. محمد الطودار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.